التفكك الأسري وعلاقته بالإدمان

Conflict

(شعر الإبن بالضيق الشديد و إنتابته حالة يأس باتت تخنقه كل ليلة وهو جالس وحيدا في غرفة شقته التي سكنها بعدما تزوج أبيه بغير أمه وفعلت أمه المثل. و إنتهي به الأمر بالدخول إلى دائرة الإدمان التي ظن إنها ستكون طوق النجاة من تلك الحالة المسيطرة عليه….)

هذا ليس جزء من رواية خيالية لكاتب مغمور يبحث عن الشهرة، أو فيلم سينمائي لمخرج يسعى لتحقيق أعلى الإيرادات بشباك التذاكر، بل هي قصة واقعية ضمن آلاف القصص لأبناء دفعهم انفصال الأهل إلى الإنزلاق لدائرة الإدمان.

إن العديد من الأزواج والزوجات يسقطون في بئر الإدمان أو ينفصلون عن بعض مما يجعل الأبناء عرضة لجميع أنواع المخاطر والتي من ضمنها الإدمان. فنجد الأبناء المفتقدين للإهتمام والرعاية يبحثون عنه بين أصدقاء أو معارف قد تقنعهم بالمواد المخدرة كوسيلة لتخفيف الم نفسي أو عضوي، أو إستدراجهم بتعاطي مواد أخرى بدافع المغامرة و الإثارة. ومع إنشغال الأهل بمشاكلهم الخاصة التي قد تتمثل في الإنتقام من الزوج الخائن أو اثبات لزوجة إنها لن تتحكم في تصرفاته، يصبح الأبناء فريسة سهلة لأي (ديلر) أو مروج للمواد المخدرة.

إرتفاع نسب الطلاق

من ضمن العوامل الرئيسية التي تدفع الشخص لتناول المواد المخدرة عجزه عن التعامل مع مشاكله، فالإبن الذي يصدم بإنفصال أبيه عن أمه. أو الإبنة التي لم تعرف معنى الأبوة على سبيل المثال: نتيجة لإنفصال أمها عن أبيها و هي في الخامسة من عمرها تكون معرضة لأنواع متعددة من المشاكل النفسية إذا لم تنتبه الأم لها قد ينتهي بها الأمر بالإنزلاق لدائرة الإدمان.كما إن الوالدين المنفصلين يميلون لتعويض الأبناء عن غيابهم بأن يغدقوا عليهم بالأموال مما يزيد من فرص تعرضهم لمخاطر الإدمان.

ومع تزايد معدلات الإنفصال، حيث احتلت مصر المركز الأول هذا العام ضمن معدلات الطلاق.

وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فقد شهدت مصر منذ عام 2017 نسبة كبيرة في حالات الطلاق.

ففي عام 2017 بلغت عدد شهادات الطلاق نحو 198 ألف و 269 شهادة. و قد أشار رئيس الدولة عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الوطني السادس بجامعة القاهرة الذي عقد العام الماضي إلى هذه المشكلة قائلاٌ:" إن المجتمع به الكثير من القضايا الخطيرة، منها وصول نسب الطلاق إلى 44%، وهذا يعني أن 100 حالة زواج يحدث فيها تقريبًا 50% طلاق.. وإذا كان هناك 9 ملايين طفل دون أب وأم بشكل مباشر، يوجد 15 مليون طفل دون أب وأم بشكل غير مباشر، عن طريق انفصال خفي دون طلاق. ( المصدر:بوابة الأهرام تاريخ:1\8\2018)، مما يؤكد إنها أصبحت ظاهرة لاقت إهتمام كبيرعلى مستوى الدولة.

أثر الإدمان على كيان الأسرة

من أهم عوامل التفكك الأسري إدمان أحد الزوجين مما يضطر الطرف الآخر للإنفصال حفاظا على حياته أو حياتها، وحماية لحياة الأبناء. والجرائد اليومية تعج بجرائم كثيرة من هذا النوع مثل الأم المدمنة التي عرضت إبنتها للبيع من أجل شمة هيروين، والأب الذي ضرب إبنه حتى الموت بعد تعاطي جرعة من المخدرات، والإبن الذي سرق والدته حتى يشتري جرعة هيروين أو شريط ترمادول.

كما إنه في بعض حالات الإنفصال يقدم الأب على الزواج بأخرى وتقوم الأم بالمثل مما يترتب عليه أن يصبح الأبناء في حيرة بينهما مما يجعلهم فريسة سهلة لمروجي المواد المخدرة حيث إنه كما أشرنا أعلاه، كلا من الوالدين يغدق على الإبن أو الإبنة بالمال تعويضا عن تقصيرهم في دورهم معهم.

كما إنه في أحيان كثيرة يتعرض الأبناء لضغوط نفسية شديدة بسبب إستخدام أحد الوالدين لهم كأداة ضغط على الطرف الآخر أو وسيلة للإنتقام فتنتابهم الحيرة بين مشاعر الحب والكراهية لهم التي يعجزون عن التعامل معها مما يدفعهم لتعاطي المخدرات.

الحلول المقترحة

حيث إن الأسرة هي وحدة البناء واللبنة الأساسية لتكوين المجتمع، فيلزم الإعتناء بها بالعمل على إصلاح الخلل الذي بات يهدد كيان المجتمع المصري بأكمله.

وهذه المشكلة تتطلب جهود كبيرة على مستوى الفرد والدولة. ويعتمد دور الفرد في المقام الأول بالتحلي بالوعي الكافي عند التعامل مع المشاكل الزوجية بحيث لا تؤثر سلباً على نفوس الأبناء.فتسعى الزوجة لعلاج زوجها المدمن، والعكس. وينظر الوالدان المنفصلان إلى أولادهم بعين الرحمة ويوفرون لهم الإهتمام و الرعاية التي تضمن حمايتهم من التعرض لإغراءات مروجي المواد المخدرة. فيتعاملون مع مشاكلهم بحكمة وصبر بعيدا عن الحقد و الإنتقام.

كما يجب أن يظهر دور للدولة للتعامل مع هذه الظاهرة بتفعيل الدورات التدريبية التثقيفية للمقبلين على الزواج، مع التركيزعلى سبل التعامل مع الإختلافات. كما إن عليها أن تسن قوانين للحد من مشاهد العنف والتعاطي بوسائل الإعلام بما لها من تأثير سلبي على الوعي المجتمعي بشكل عام. فلا يجب أن ترتبط المخدرات في ذهن الشباب بالإبداع أو الترفيه عن النفس كما يشار إليه في بعض الأعمال الدرامية والسينمائية.

أخيراً يتلخص التعامل مع هذه المشاكل في النقاط التالية:

1. توعية الأباء والأمهات بالتعامل السليم مع الأبناء في حالة الإنفصال للوقاية من تعرضهم للإدمان.

2. سن قوانين صارمة لحماية الأبناء من استغلال والديهم المتنازعين لهم.

3. نشر الوعي بين الأهل حول سبل علاج أبناءهم المدمنين، مع توجيههم لطرق التعامل بعد التعافي للوقاية من تعرضهم للإنتكاسة.

4. نشر الوعي بين أطياف المجتمع حول العلاقة الزوجية للحد من حالات الإنفصال.

5. نشر الوعي حول مخاطر الإدمان في المدارس والجامعات و سبل الوقاية منها.

6. الحد من مشاهد العنف و التعاطي في الأعمال الدرامية و السينمائية، مع عدم ربط التعاطي بالإبداع.

AUTHOR

Karim Salah

Executive Director Narconon Egypt

‫ناركونن‬ ‫مصر‬

التوعية حول المخدرات وإعادة التأهيل